لاستفادة من التكنولوجيا
شعور عام متزايد في الولايات المتحدة أن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تساعد أجهزة الاستخبارات على تحسين قدراتها على تبادل المعلومات الهامة.
فقد أشار التقرير النهائي للجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول إلى وجود خمسة عشر جهازا للاستخبارات في الولايات المتحدة، يستخدم كل منها قاعدة معلومات مختلفة عن الآخر، وليس في وسع أي منها الاستفادة من المعلومات التي يملكها الجهاز الآخر.
وهذه الشبكة الأمنية يمكن أن توصف بأنها شبكة صماء، لا يسمع بعضها بعضا، فقد بنيت على نمط عتيق لا يعرف تبادل المعلومات إلا في إطار المنظمة الواحدة.
وقد أشارت لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ومؤسسة ماركل البحثية، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، إلى الخلل الواضح في الاتصال بين أجهزة الاستخبارات المختلفة.
وقالت زوي بايرد، رئيسة مؤسسة ماركل: "لنفترض وجود أحد العملاء في مكتب الشرطة الاتحادية في شيكاغو، وأحد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية يعمل في كابول، سيحصل كل منهما على نتف من المعلومات إذا وضعت مع بعضها قد تؤدي إلى الكشف عن هجوم وشيك بالأسلحة الكيماوية على مدينة شيكاغو".
وقالت: "ولكن في ظل النظام الحالي، لا يمكن أن تجتمع المعلومات التي يجمعها عملاء أجهزة مختلفة أبدا".
شبكة متصلة
وقد خصصت بايرد فريق عمل في مؤسستها للعمل على التغلب على هذه المشكلة، وهو مشكل من مهندسي الكومبيوتر، وعملاء سابقين في أجهزة الاستخبارات، وخبراء أمن، لتحديد أنسب طرق التشارك في المعلومات بين الأجهزة الأمنية المختلفة.
وجاءت إجابتهم أن أفضل الطرق لتحقيق التشارك الكامل في المعلومات هي توصيل قواعد البيانات الخاصة بكل الأجهزة الاستخبارية ببعضها البعض من خلال شبكة معلومات.
والفكرة تستهدف حصول عملاء الجهات الأمنية على المعلومات التي يجمعها غيرهم من عملاء الجهات الأمنية الأخرى، ووضعها جنبا إلى جنب وتحليلها معا من أجل تفادي وقوع الهجمات الإرهابية.
وقالت بايرد: "هذه التقارير الاستخبارية ستتوحد من خلال التكنولوجيا، ويمكن للعاملين في المجالات الأمنية الاستزادة من المعلومات من بعضهم البعض، أو من خلال جماعة مخصصة لحل هذا النوع من المشاكل".
التقرير اشار إلى عدم التنسيق الاستخباري
وهذا النوع من التكنولوجيا شائع الاستخدام في الشركات عبر العالم، بل إن هذه الشركات أحيانا ما تستخدم آلات بحث تشبه محرك البحث الرئيسي على الانترنت والمعروف باسم "غوغل".
ويمكن بناء هذه الشبكة بسهولة ويسر من خلال عناصر متوفرة بالفعل في الأسواق.
وهذه الفكرة تروق لجنة التحقيق الخاصة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد اقترح التقرير أن تكون النتائج التي توصلت إليها مؤسسة ماركل أساسا لأي محاولة حكومية لمركزية شبكة المعلومات الأمنية فيها.
وهناك أيضا من لا تروقهم هذه الفكرة، ويشككون في حكمة الاعتماد الكامل على التكنولوجيا وحدها.
وفي هذا قال جورج سميث رئيس شركة "غلوبال سكيوريتي دوت أورج" إن "التكنولوجيا ليست هي الحل لأي من هذه المشاكل، ولا توجد حركة سحرية فيها تحل مشكلة تبادل المعلومات".
وقال سميث إن المشكلة الحقيقة التي تحتاج إلى علاج هي مشكلة اجتماعية أكثر من كونها تكنولوجية.
وقال مفسرا لذلك: "طبيعة البيروقراطيات، والطريقة التي يتعامل بها الناس مع المعلومات، والصراعات الشخصية والمنافسة بين الجهات الأمنية المختلفة، ويعتقد الكثيرون في الولايات المتحدة بشكل متزايد في إمكانية انقراض العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص، إضافة إلى السرية التي تحيط بالحرب على الإرهاب".
وتضع مؤسسة ماركل قواعد جديدة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، وتعتقد زوي بايرد أن طبيعة البيروقراطية الحكومية يمكن أن تؤمن التكنولوجيا الجديدة.
وقالت بوجوب صدور مجموعة جديدة من القواعد المنظمة تساعد المسؤولين في الحكومة على الاستفادة من التكنولوجيا.
حماية الأبرياء
لكن بعض خبراء الأمن لا يخفون قلقهم من أن هذا النظام الجديد سيقوي قدرة الحكومة على التجسس والتشارك في المعلومات الخاصة.
وتخشى جماعة الحقوق المدنية (مؤسسة إليكترونيك فرونتير) من أن تصبح الاستفادة من نتائج تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتقرير مؤسسة ماركل، خطرا في حد ذاتها.
وقال لي تين رئيس الجماعة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها: "عندما توجه الشكوك الأمنية نحو أحد الأشخاص، يجب أن تبنى هذه الشكوك على معلومات دقيقة".
وأضاف: "لكن الواقع يشير إلى أن مقدار البيانات الدقيقة في قواعد المعلومات الخاصة بأجهزة الاستخبارات العامة والجهات الخاصة فقيرة للغاية".
لكن فريق العمل في مؤسسة ماركل يقول إنه من الممكن حماية الخصوصية بشكل جيد في إطار النظام الجديد المقترح.
فمن الممكن أن يقام هذا النظام الجديد على مجموعة من القواعد التي تحمي الخصوصية بامكانها أن تؤمن التعامل مع بعض أنواع البيانات، كما يمكن الاحتفاظ ببعض البيانات دون ربطها بأشخاص بعينهم.
امريكا تحاول تحسين قدراتها الامنية
وقال جيم ديمبسي، مدير مركز الديمقراطية والتكنولوجيا بواشنطن: "الأساس هنا هو استخدام التكنولوجيا وسياسات الخصوصية بشكل حقيقي، وكذلك تحديد المعلومات التي يمكن الاعتماد عليها في النظام الجديد".
وقال: "إذا فعلنا ذلك، فأعتقد أننا نستطيع تحسين مستوى الأمن الوطني، وحماية الخصوصية في آن واحد".
نداء للعمل
ويبدو أن أي إضافة جديدة للتكنولوجيا التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات الأمريكية ستلقى قبولا حسنا عند عملاء الاستخبارات الذين يعملون في الميدان.
ويشير مات ليفيت، الذي عمل لسنوات في قسم مكافحة التجسس في الشرطة الاتحادية الأمريكية، إلى أن أنظمة الكومبيوترات والشبكات هي التي أبقت الشرطة الاتحادية منعزلة عن أجهزة الاستخبارات الأخرى في البلاد.
ويرحب ليفيت بشدة بفكرة تحسين المشاركة في المعلومات، لكنه في الوقت نفسه غير راض عن مستوى العمل في هذا الشأن.
وقال: "لا أحد يعطيك إجابة شافية لسبب هذا التأخير الشديد في تحقيق المشاركة الكاملة في المعلومات".
وأضاف: "هذا التأخير لا يمكن ان يكون مقبولا في القطاع الخاص، ونحن هنا لا ننظر في أفضل وسيلة لتحسين مكاسب مالية لشركة من الشركات، وإنما نتكلم عن كفاءة حماية الأمن الوطني لدولة".
ولن تستطيع التكنولوجيا حل مشكلة أجهزة الاستخبارات، ولكن غياب الوسائل التكنولوجية المناسبة سيكون من أهم العوائق التي تحول بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية وبين ما ترغب في تحقيقه.