بونديشيري.. هندية في قالب فرنسي
جامعة الحضارات ومدينة الـ 55 لغة
بونديشيري: براكريتي غوبتا
أندية فرنسية وشوارع بأسماء فرنسية ومواطنون فرنسيون.... يشعر الشخص كأنه قد حط في فرنسا، إلا ان هذه هي مدينة بونديشيري الهندية ذات التراث الفرنسي الثري، ويعود ذلك الى انها كانت في السابق عاصمة للمستعمرات الفرنسية في الهند منذ القرن السابع عشر. يطلق على بونديشيري «رفييرا الشرق»، إذ يحس الزائر بالروح الفرنسية في كل مناحي الحياة في هذه المدينة ذات الشوارع الأنيقة والشواطئ التي تعج بالحركة والنشاط باستمرار، فضلا عن متنزهاتها الجميلة وكنائسها وأبنيتها العامة ذات الطراز المعماري المتميز.
تاريخ بونديشيري: تعتبر بونديشيري أثرا حيا للثقافة الفرنسية في الهند ومكانا مناسبا لقضاء عطلة مع الاسرة، وفي واقع الأمر ظلت نكهة بونديشيري الاوروبية الفريدة عامل جذب للزوار على الرغم من إعادتها للهند من المستعمر منذ ما يزيد على خمسة عقود. استعمرت بونديشيري على يد الفرنسيين عام 1674، باستثناء فترة وجيزة من سيطرة الهولنديين عليها خلال الفترة من 1693 حتى 1699، ثم البريطانيين عام 1761، إلا ان المدينة بقيت بعد ذلك تحت السيطرة الفرنسية حتى عام 1954 لتصبح جزءا من الاتحاد الهندي. لا تزال هناك بضع اسر فرنسية تعيش في بونديشيري، حيث الفرنسية لغة مهمة. ولا يزال المعهد الفرنسي لدراسات الهند والكلية الفرنسية لدراسات الشرق الأقصى شاهدا حيا على التراث الاستعماري الفرنسي للمدينة في السابق. طبقا لـ«الاتفاق الهندي الفرنسي» منح السكان خيار الاحتفاظ بالجنسية الفرنسية او الهندية، وسمح للذين اختاروا الجنسية الفرنسية بالإقامة داخل اراضي اتحاد مدينة بونديشيري. وهناك حوالي 10000 مواطن فرنسي من اصول هندية يقيمون داخل الاتحاد يدلون بأصواتهم في انتخابات البرلمان الفرنسي وأقامت الحكومة الفرنسية مراكز اقتراع لهذا الغرض لمواطنيها داخل اتحاد بونديشيري. كما ينخرط هؤلاء في صفوف الجيش الفرنسي ويعملون في المرافق الحكومية في فرنسا ويزورون أقرباءهم هناك. مدينة الراحة والاستجمام: اذا كنت تبحث عن الاسترخاء والاستجمام في مكان هادئ جميل بعيدا عن الضوضاء والضغوط النفسية للحياة اليومية، فيجب عليك ان تتوجه الى بونديشيري حيث المعتزل الديني الخاص بسري اوروبيندو. ويقع هذا المعتزل في الجزء الشرقي من بونديشيري، وكان قد اقيم عام 1926 بهدف جعله مركزا روحيا، حيث كان يقيم الفيلسوف والشاعر الهندي اوروبيندو، ويتميز هذا المكان بالهدوء والجو الروحي الفريد. ويتوجه سنويا آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء الهند وخارجها لزيارة هذا المكان لحضور الاحتفال العالمي لليوغا. لا بد ايضا من زيارة أوروفيل في رحلة بالدراجات المستأجرة، وتقع اوروفيل، التي تعتبر مدينة عالمية يعيش فيها اناس من مختلف الجنسيات والأديان والمعتقدات في سلام وانسجام، على بعد عشرة كيلومترات الى الشمال من بونديشيري. وكان تشييد هذه المدينة العالمية قد بدأ عام 1968 بإشراف «الأم» (واسمها الحقيقي ميرا آلفاسا)، وهي رسامة وموسيقية باريسية المولد اصبحت من أتباع سري اوروبيندو وكانت على علاقة وثيقة معه منذ عام 1924 حتى وفاته عام 1950. هذه المدينة مقسمة الى عدة مناطق، مثل منطقة السلام ومنطقة الصناعة والمنطقة الخضراء. ومن ضمن المواقع السياحية في المدينة منطقة الحدائق والكلوسيوم والبحيرة. وكانت منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة قد أجازت بالإجماع عام 1966 قرارا اعتبر أوروفيل مشروعا ذا اهمية بالنسبة لمستقبل البشرية. وتعتبر أوروفيل اليوم نموذجا لوحدة البشرية والتعايش والتسامح، حيث يعيش اناس من 35 دولة من مختلف الأعمار، من الرضع حتى ما بعد الثمانين، وينتمي هؤلاء الى مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافات ويمثلون البشرية جمعاء. يشهد تعداد سكان المدينة تزايدا مستمرا، إلا ان عدد سكانها في الوقت الراهن يقدر بحوالي 1700 نسمة ثلثهم من الهنود. الزائر لمدينة بونديشيري يلاحظ بوضوح عالميتها وتأثرها بشتى الحضارات، ويتحدث سكانها 55 لغة، إلا ان اللغات الأكثر انتشارا فيها هي التاميل والتيلوغو والمالايا ولغة الهندوس والفرنسية والإنجليزية. من الناحية الاقتصادية، يعتبر دخل الفرد في بونديشيري الأعلى على مستوى الهند، ومركزا للتسوق بأسعار معقولة. اما طقسها، فيغلب عليه الطابع المداري، لذا فإن أفضل وقت لزيارتها الفترة من اكتوبر (تشرين الأول) حتى مارس (آذار).
تربط بونديشيري مجموعة من وسائل المواصلات جوا وبرا وعن طريق السكك الحديدية. هناك مطار دولي في تشيناي وآخر محلي في منطقة المدينة. كما تربطها بالمدن الرئيسية في المنطقة شبكة من الطرق البرية، فضلا عن وجود حافلات خاصة للسياح، وتربطها خطوط مواصلات مع الموانئ الرئيسية مثل شيناي وتوتيكورين وكوشين وفيشاكاباتنام. يمكن ايضا التجول في مختلف أنحاء المدينة بسيارات الاجرة السياحية والركشات (الاجرة قابلة للتفاوض) والحافلات المحلية. وتسيّر هيئة السياحة والمواصلات بالمدينة رحلات سياحية يومية على متن الحافلات المكشوفة لفترة نصف يوم او لفترة يوم كامل، إلا استئجار دراجة للتنقل هو الخيار الأفضل لاستكشاف مختلف أجزاء المدينة، إذ ان المسافات ليست متباعدة، كما ان الطرق معبدة بصورة جيدة. يقع منتجع تشونامبار، المشهور بشواطئه الجميلة، على بعد 7 كيلومترات من بونديشيري. ويعتبر المنتجع مكانا للتجول ايضا. ومن الأفضل ان يبدأ الزائر جولته بطول الشاطئ على بعد كيلومتر ونصف للتمتع بمشاهد ساحرة للشاطئ ابتداء من تمثال المهاتما غاندي. وتوجد هنا مجموعة من الأعمدة ونصب تذكاري أقامه الفرنسيون لضحايا الحرب العالمية الاولى. وبصورة عامة يستمتع الزائر بالشواطئ الرائعة للمنتجع بعيدا عن ضوضاء المدينة، وكثيرا ما يشاهد الزائر الدلافين وهي تقفز وتعود الى الماء وذلك في مكان قريب من الشاطئ. هناك ايضا برامج التسلية والترفيه التي يقيمها البهلوانات ومدربو الصقور ومروضو الثعابين. اذا حالفك الحظ ستتلقى دعوة من أي من السكان المحليين للزيارة. لا تتردد في قبول الدعوة والدخول وستستمتع بالطراز المعماري الراقي للمنازل بفناءاتها وأعمدتها المميزة. الفرنسيون تركوا بصماتهم ولمساتهم المعمارية واضحة على هذه المدينة المحتفظة بنقائها الاصلي، ويمكن ان يلاحظ الزائر ذلك في القبعات الحمراء التي يرتديها أفراد الشرطة المحلية واللافتات والمتاجر الصغيرة التي تمتلئ رفوفها بمختلف أنواع الخبز،وتوجد أيضا فلل راقية مطلية بالأصفر والأصفر الفاتح والوردي والرمادي. الزائر لبونديشيري يمكن ان يستمتع بالطابعين الشرقي والغربي. فالأراضي الواقعة الى الشمال من القناة تقسم المدينة الى جزئين، احدهما يقطنه الفرنسيون والهنود ـ الفرنسيون (الفرنسيون المحليون). اما الجزء الآخر، فيقطنه الهنود وتوجد به المؤسسات والمسارح والفنادق ومقاهي الانترنت.
من المهم ايضا زيارة «باراثي بارك»، التي تحيط بها أبنية تعكس التراث الفرنسي بطرازها المعماري المميز، حيث الواجهات الخشبية المنحوتة والشرفات الجذابة. لا بد ايضا من زيارة «آناندا رانغابيلاي» الذي كان دارا لكاتب يوميات الحاكم الفرنسي دوبلي، الذي يقف تمثاله اعلى المتنزه في الجهة الجنوبية. لا تنسى ايضا تناول وجبات في المطاعم الراقية بالمدينة مثل «لا كلاب» و«ساتسانغا» و«ريندزيفوس» و«لا تيريس» و«سي غالز» و«سورغورو» و«رياض»، مطعم الطريق السريع، حيث من الممكن ان يقضي الشخص ساعات في لعب الشطرنج وعزف الجيتار. هناك ايضا مطعم «بورو»، الذي يقدم افضل وجبات كاري السمك في المدينة. يمكن القول إن الحياة الثقافية لمدينة بونديشيري مفصلة تماما على حجمها. إذ تضج اجواؤها بالحفلات الموسيقية والأفلام والحركة والنشاط على نحو مستمر